"مريم".. طفلة غزة التي نجت من القصف الإسرائيلي ولم تنجُ من "التنمر"
"مريم".. طفلة غزة التي نجت من القصف الإسرائيلي ولم تنجُ من "التنمر"
داخل خيمة متواضعة في مخيم خان يونس بجنوب قطاع غزة، تجلس الطفلة مريم إبراهيم، ذات الاثني عشر عاماً، وهي تحاول إخفاء رأسها بقبعة صغيرة، لم يكن همّها النجاة من صاروخ إسرائيلي استهدف منزل عائلتها فقط، بل مواجهة جرحٍ أعمق يتمثل في نظرات الآخرين وكلماتهم القاسية.
مريم أصيبت بشظايا صاروخية تسببت في كسر بالجمجمة وأضرار دماغية خطِرة، وأجرى الأطباء عدة عمليات جراحية انتهت بإزالة العظمة الأمامية اليسرى من رأسها، فبدا شكلها مختلفاً، وتقول بصوت متهدج وفق ما أوردته "شبكة قدس الإخبارية": "أنا كنت حلوة كتير كتير من قبل، وبعد الإصابة خربت راسي. حرموني من طفولتي.. حرموني من لعبي".
رغم الألم، تحمل مريم حلماً بسيطاً.. أن تتمكن من إجراء عملية جراحية جديدة تعيد إليها ملامحها الطبيعية، كي لا تضطر إلى ارتداء قبعة تخفي بها إصابتها وتتفادى التنمر الذي تتعرض له من محيطها، فهي لم تفقد براءتها ولا رغبتها في اللعب، لكنها فقدت الأمان الذي يفترض أن يحيط بطفلة في عمرها.
قصة مريم لفتت انتباه "ميس رايتشل"، مقدمة البرامج التعليمية للأطفال في الولايات المتحدة، والتي قالت عبر تسجيل مصوّر على حسابها في "إنستغرام": "مريم، أنت لم ترتكبي أي خطأ. هذا ليس ذنبك، العالم كله يعرف أنك طفلة جميلة وشجاعة وذكية".. كلمات بسيطة لكن صداها حمل تضامناً إنسانياً عابراً للقارات.
طفولة تحت النار
مريم ليست حالة استثنائية، بل جزء من مشهد أكبر يعيشه أطفال قطاع غزة منذ أكثر من عام من الحرب الإسرائيلية المستمرة. أرقام "وكالة وفا" الفلسطينية تشير إلى استشهاد أكثر من 61 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، إضافة إلى أكثر من 155 ألف جريح. هذه الأعداد الهائلة لا تمثل مجرد إحصاءات، بل قصص فردية لأطفال فقدوا أطرافهم، أو ذويهم، أو حتى قدرتهم على الضحك واللعب.
تاريخياً، كان الأطفال هم الفئة الأكثر هشاشة في النزاعات المسلحة، وقد شددت اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 على حق كل طفل في الحماية والرعاية الصحية والتعليم، بينما نصت اتفاقيات جنيف على توفير الحماية للمدنيين، وخاصة القُصَّر، إلا أن الواقع في غزة يعكس فجوة هائلة بين النصوص القانونية والالتزامات الدولية وبين ما يعيشه الأطفال على الأرض.
تقارير منظمات حقوقية كـ"هيومن رايتس ووتش" و"اليونيسف" أكدت أن أطفال غزة يواجهون أزمات مركبة: خسارة المأوى، غياب التعليم، نقص العلاج، إضافة إلى الصدمات النفسية الممتدة، مريم مثال حي على هذه المأساة الإنسانية المركبة، حيث يتحول الجرح الجسدي إلى عبء اجتماعي يرافق الطفل طول حياته.
التأشيرات الطبية للفلسطينيين
يذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت أنها ستعلق مؤقتاً منح التأشيرات الطبية للفلسطينيين من قطاع غزة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بعدما جاءت مباشرة عقب انتقادات من مؤثرة يمينية متطرفة مؤيدة للرئيس دونالد ترامب.
وقالت الوزارة في بيان يوم السبت: إن القرار يشمل "تعليق كل تأشيرات الزائرين للأشخاص القادمين من غزة مؤقتاً إلى حين إجراء مراجعة شاملة ودقيقة للعملية والإجراءات التي جرى استخدامها في الأيام الماضية لمنح عدد محدود من التأشيرات الطبية الإنسانية".
وأدت الحرب الإسرائيلية المدمّرة على قطاع غزة إلى استشهاد 61897 مواطناً، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 155660 آخرين، في حصيلة غير نهائية؛ حيث لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم، حسبما أوردت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا).